شهد لبنان على مدى السنوات الأربع الماضية العديد من الأزمات المتصاعدة عبر البلاد، ابتداءا من ثورة 17 تشرين عام 2019 والتي تبعها تفاقم ارتفاع الأسعار العالمية للنفط، وقد ازداد الأمر سوءا مع الجائحة العالمية COVID-19، بالإضافة إلى حدوث الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت عام 2020.
وكان لكل هذه الأحداث عواقب شديدة على جميع قطاعات في لبنان، ولا سيّما منظومة الشركات الناشئة؛ فقد أدت تلك العواقب إلى نقص الاستثمارات
الأجنبية وفرص التمويل في سوق الابتكار في لبنان و هجرة هائلة للمواهب الي خارج.
وبالرغم من تلك الأزمات التي مر بها لبنان، إلا أن هناك نماذج ناجحة من رواد الأعمال اللبنانيين، الذين استطاعوا الصمود أمام تلك الأزمات والنجاح في أعمالهم ومشاريعهم الريادية.
عدنان عماش أحد النماذج الناجحة التي أردنا تسليط الضوء عليها، هو شاب طموح ذو 25 عاماً وحاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم المالية من جامعة نيويورك- الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤسس شركة Presentail، وهي منصة إلكترونية تستهدف اللبنانيين المقيمين خارج البلاد، الذين يتطلعون إلى مفاجأة أحبائهم في لبنان بهدايا، من باقات ورد إلى نباتات زينة وعلب الشوكولاته وغيرها من الهدايا المميزة التي تصنع بأيدي لبنانية متخصصة.
لكن كيف استطاع عدنان مواجهة الصعوبات و النجاح وسط تلك الأزمات؟
إليكم تفاصيل لقائنا الحصري مع عدنان:
بدايات Presentail
بدأ عدنان رحلته في بناء منصة Presentail حينما كان طالبا في جامعة نيويورك خلال عام 2018، وتحدث عدنان عن تلك الفترة قائلا:
"عندما كنت أدرس في الخارج، كنت بحاجة لإرسال هدايا لأحبائي المقيمين بلبنان لمناسبات مختلفة… وكانت تلك العملية معقدة…لأنني لم استطع شراء شيئا بسيطا وإرساله في الوقت المناسب… من هنا جاءتني فكرة Presentail." وأضاف عدنان:" كما أنني أدركت في ذلك الوقت أن أعداد اللبنانيين المقيمين خارج البلاد هي أعداد هائلة… تقدر بـ 14 مليون لبناني تقريباً، مما جعلني أفكر باستغلال تلك الفرصة من أجل تنفيذ مشروع تجاري يستهدف تلك الفئة من اللبنانيين" .
رحلة عدنان مع Flat6Labs
تقدم الشاب الطموح بعرض فكرته على المستثمرين في عام 2018، وقد لاقت فكرته إعجاب Flat6Labs في هذا الوقت- الشركة الرائدة في مجال الاستثمار والتمويل الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشركة مؤسسة لمنصة "المشرق يبدأ"بالشراكة مع الـ IFC- وقال عدنان عن تلك الفترة:
" كنت في الـ 21 من العمر عندما بدأت التواصل مع شركة Flat6Labs وشرحت لهم فكرتي حول المنصة، ولقد استمعوا إلى فكرتي باهتمام بدون أي اعتراض رغم صغر سني في ذلك الوقت؛ وكان من المدهش حقاً كيف رحبوا بي وسمحوا لي بالانفتاح ومشاركة أفكاري وأهدافي حول تلك المنصة، والجزء الأهم هو عندما بدأت Flat6Labs في العمل كنقطة انطلاق من الولايات المتحدة إلى لبنان… فكلاهما حقاً عالمان مختلفان".
"كان الجميع في Flat6labs متعاونون ومدهشون… وقد استفدت الكثير من هذا البرنامج، حيث ساهم في وضعي على المسار الصحيح والعقلية الصحيحة لأكون مؤسساً قادراً على حل المشاكل ومسؤولاً عن فريق عمل بالكامل…ساهم البرنامج كذلك في مساعدتي على تكوين فكرة ناضجة للشركة وقابلة للتنفيذ، بالإضافة إلى تدريبي على كيفية تطوير خطة عمل ناجحة".
انطلاق منصة Presentail
أطلق عدنان منصة Prensentail في الفترة نفسها التي شهدت اندلاع ثورة تشرين 2019، والتي تبعتها جائحة COVID 19 وغيرها من الأزمات التي عاشتها البلاد؛ تحدث عدنان عن تلك الفترة:
"وقعت أحداث مؤسفة للغاية في لبنان منذ أن بدأت مشروعي وحتى الآن،… فبعد شهرين فقط من انطلاق المشروع، بدأت الانتفاضة اللبنانية وبالطبع توقفت الطلبات لأن الناس لم يفكروا في إرسال الهدايا في تلك الفترة… كنت أنا وفريق عملي في ذلك الوقت نعمل في مكتب يقع في تلك البقعة من بيروت حيث نرى الاشتباكات تجري أسفل مكتبنا، وقد كانت تجربة في غاية الصعوبة… لكن علمتني تلك التجارب المثابرة والصمود!"
"بعد ذلك بوقت قصير ، جاءت جائحة COVID-19. ولأكون صريحًا، كانت تلك الفترة مفيدة لمشروعنا للغاية، وربما لكل الشركات التي تعمل أيضا في التجارة الالكترونية، حيث كان الناس مرغمين بالبقاء في منازلهم وبالطبع كانوا يشعرون بالملل، مما أدى إلى زيادة التسوق عبر الإنترنت. لذا فقد زاد حجم شراء الهدايا لدينا".
النجاح في ظل الأزمات
لم يكن نجاح Presentail صدفة، ولم يأتي بالسرعة التي قد يتمناها أي رائد ورائدة أعمال، تطَلب الأمر الكثير من الجهد والمثابرة والاستمرار في العمل أثناء العديد من الأزمات. إليكم ما تحدث به عدنان عن ذلك:
"لطالما كان لبنان مكانًا مليئًا بالتحديّات لممارسة الأعمال التجارية، لكنني أعتقد أن ما حدث بالفعل خلال السنوات القليلة الماضية، جعل استمرار الشركات في العمل أمرا صعباً. وأعتقد أن من أصعب الأمور التي شاهدتها هو رحيل اللبنانيين إلى الخارج للعمل والاستقرار في الخارج. لكنني أدركت فيما بعد أن ذلك الأمر أتاح لي فرصة لتوسيع قاعدة الزبائن المستهدفين لاستخدام منصتنا".
"ربما كانت أسوأ اللحظات التي مررنا بها هي انقطاع الكهرباء والغاز في لبنان وارتفاع معدل التضخم، بالإضافة إلى الجائحة.وكان لذلك تأثير سلبي على نفسية الجميع. لذا، فضلت الاهتمام بفريق العمل لدي، وهم من أكثر الأشخاص الطموحين والموهوبين.وحاولت أن أجعل المكتب الذي نعمل به ذو محيط إيجابي وغير اعتيادي كمكاتب العمل الأخرى، مما كان لذلك أثر إيجابي على فريق العمل. فعلى سبيل المثال، اخترت أن لا أطبق سياسة الحضور والانصراف في العمل، لذا أجدهم في أوقات كثيرة يفضلون البقاء في المكتب لساعات طويلة، بالتالي هم أكثر إنتاجاً. فأنا مقتنع بأن فريق العمل والاهتمام به هو الدعامة الأساسية لأداء الشركة ونجاحها".
"اليوم، وبعد مرور 4 سنوات على تأسيس الشركة، حققت شركتنا نسبة نمو 80% على معدل سنوي.ونجاحنا هو بسبب منتجاتنا المتعددة وخدماتنا المميزة لعملائنا، مما يشجعهم على العودة إلينا واستخدام منصتنا باستمرار .فما يميز منصتنا أنها سلسة الاستخدام ولا تتطلب الكثير من الجهد لطلب الهدايا ودفع قيمتها أونلاين، وتوصيلها خلال يوم واحد فقط".
"كما أن الدافع الأساسي لديّ بخلاف تحقيق الأرباح، هو النجاح في مشروع ذو تأثير إيجابي على التنمية الاقتصادية للبلاد، وتأمين فرص عمل للمواهب.فنحن نعمل على تقديم خدمات لمن هم بالخارج، وبازدياد المنتجات المطلوبة، تزداد حجم تعاملاتنا مع الموردين بالداخل ويزداد فرص العمل لدينا، حيث أن المجتمع اللبناني اليوم في أمس الحاجة لتلك الفرص، نريد إعادة بناء لبنان وأنا حريص على أن أكون جزءاً من هذه العملية."
ختاماً للقائنا، قدم عدنان نصائح حول النجاح في إدارة الأعمال ومواجهة الصعاب داخل البلاد، قائلاً:
"أهم شئ يجب أن يركز عليه المؤسس هو تغيير نمط الأعمال سريعاً لتواكب طبيعة السوق المحلي من طلبات الزبائن وما يريدون.في حالتي بما أنني أقدم خدمة طلب الهدايا وتوصيلها، كان لابد أن أعرض أفضل الهدايا وأكثرها تنوعا وخدمة التوصيل السريع، لتكون الخدمة مميزة وتستحق تقييما ممتازاً لقي استحسان الزبائن، وبالتالي يعود العميل لدينا في الغالب لاستخدام المنصة مرات أخرى وعمل المزيد من الطلبات".
"أعلم أن الكثير ليس لديهم فرص حقيقية للبقاء بلبنان وإدارة أعمالهم بشكل فعال، وأن الكثير من الشركات المحلية والعالمية اضطروا للرحيل من لبنان للأسف. لكن ما أريد قوله لمن يريد البقاء بالداخل، هو أن تلك الفرصة هي الفرصة الحقيقية التي يمكن من خلالها المؤسس أن ينجح وأن يصنع اسماً له محليا ًفي لبنان ثم عالمياً.فعلى سبيل المثال، قد يتطلب إنشاء شركة جديدة وغير معروفة في أي من دول الخليج مئات الآلاف من الدولارات، لكن تكلفة القيام بذلك محلياً في لبنان هي أقل بكثير.و بصنع اسماً معروفاً وناجح محلياً أولاً، يمكن توسيع الأعمال بالخارج بطريقة أسهل وأقل خطورة".
"ويتطلب البقاء والنجاح بالأعمال داخل البلاد، مرونة ومثابرة للقيام بتغييرات سريعة في نموذج الشركة والأعمال لتواكب التغييرات في السوق المحلي، تقديم أكثر الخدمات تميزاً وملاءمة للجمهور المستهدف.سواء بالداخل أو بالخارج".
"وختاماً، نحن اليوم نمر بأصعب اللحظات التي تزداد سوءاً يوم بعد يوم، لذا أنصح من يريدون البقاء في لبنان والنجاح بأعمالهم بأن يكونوا أكثر إرادة وقدرة على تحمل تلك الصعوبات، والنظر للمدى البعيد…وليس بما نمر به اليوم فقط".